منذ بدايات المدونة وأنا أود الحديث عن هذا الموضوع، بل ووضعت العنوان على مسودة لأبدأ فيه حين أشعر بصفاء ذهن يجعلني أعطي الموضوع حقه من الصياغة الجيدة والأسلوب السلس. إلا أنني لم أجنِ من تسويف كتابته إلا مرور السنوات وهو مجرد عنوان وتحته فراغ! لذلك مؤخرًا بدأت أحاول المرور على المسودات المؤجلة على المدونة، وكتابة ونشر ما أرى فيه فائدة.

أعتقد أن كثير مننا قد مر عليه موقف أن رأى فتاة ترتدي غطاء الرأس لأي سبب -وهي في الأصل غير محجبة- فتجد من حولها يسارعون قائلين: “الحجاب زادك جمالاً”، “وجهك منور بالحجاب”، “شكلك قمر بالحجاب، أرجوكِ ارتديه”، وغيرها من التعليقات في نفس السياق…

ورغم أن نيتهم قد تكون حسنة، حيث يعتقدون أن تلك التعليقات ستساعد في هدايتها فتطيع الله في فرض الحجاب، إلا أننا بذلك نتغافل ضمنيًا عن أن الهدف الأساسي من الحجاب هو إخفاء مفاتن النساء، فلا يطّلع عليها إلا من يحل له ذلك وفقًا للحدود التي حددها الشرع. فلا تصبح مطمعًا لضعاف النفوس فتتعرض لما تكره.

أو لعلهم يقصدون “بالجمال” هنا هيبة العفاف، ونقاء الحياء اللذان يضفيهما الستر على المرأة، فيجعلها محط احترام الآخرين والرجال منهم بشكل خاص، بدلا من أن تكون محط نظراتهم الطامعة غير البريئة.

أما إن أصبحت المسلمة “أجمل” فعلا بالحجاب.. فهذه مشكلة! فهذا يعني أنها إما تُظهر زينة تخالف شروط الحجاب الشرعي، أو أنها شديدة الإهمال في نفسها بدونه مما يجعل الناس ترى في الحجاب ستر للإهمال والتقصير في هندامها وعنايتها بنفسها !

المرأة فتنة للرجل، وفتنة عظيمة أيضًا -عَلِمَتْ بذلك أم جهلته- لكن كثير من النساء تنظر للأمر من وجهة نظرها كأنثى، وهي: أن ما تفعله ليس بالشيء الكبير، هي فقط تريد أن تبدو جميلة، وتسمع المجاملات البريئة لا أكثر. وقد لا تعرف أن تساهلها في ستر جسمها، وخضوعها ودلالها في كلامها وحركاتها يحرك شهوات الرجال بشكل ربما لا تعيه أو تدركه. لكنها إن سألت أحد محارمها الثقات عن وقع فتنة النساء على الرجال لأخبرها.
وإن كانت ليست في حاجة حقيقية للسؤال، فقد أخبرنا الله في قصة نبيه العفيف سيدنا يوسف -عليه السلام- في الحادثة الشهيرة حين أغوته زوجة من تربى في بيته، إلى أن كاد أن يقع في شراكها لولا أن تذكر ربه، هذا وهو نبي من بيت نبوة، فما بالك بعموم الرجال!

كما حذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فتنة النساء، فقال:

” إنّ الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون؟ فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء. “

وقال:

“مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ “

وعندما يعظم رسول الله ﷺ -الذي لا ينطق عن الهوى- من شأن أمرٍ، يلزمنا حينها أن نَحْذَرَ خطره، وألا نستهين بقدر هذا الشأن أبدًا.

وعلى المسلمة أن تعلم أن رزانتها وسترها لجسمها، سيجعل الآخرين ينظرون إليها بالفعل نظرة مختلفة، لكنها يجب أن تكون نظرة إجلال للاحتشام واحترام للعفة، لا نظرة إعجاب بالجمال والدلال.

قال الله سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب:

 يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59) لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60)

 

وقبل أن أختم كلامي، جدير بالذكر أنه خلال سنوات انتظاري لجمع شتات أفكاري لكتابة هذا الموضوع، مررت بمقالة لدكتور إياد قنيبي تتحدث في نفس الشأن بتفصيل أكبر وأسلوب مختلف، فأردت أن أشارككم رابط المقالة أملا بحصول الفائدة بوجهة نظر أخرى. 🙂

وفي النهاية، أسأل الله الهداية لي ولكم، وأن يحبب طاعته إلى قلوبنا.. اللهم آميـن 🤲

شاركي المحتوى، لتعم الفائدة ♥