منذ أنشأت المدونة أتاني عدة مرات تساؤل من بعض المتابعات بصيغ مختلفة، وهو:
“لماذا تكتبين بالفصحى؟!”
لم أكن أتوقع أن أسلوب كتابتي في حد ذاته سيكون محل تساؤل أو استغراب من البعض، ظننت أن المحتوى أو الموضوع الذي أكتب عنه في كل تدوينة أو ما له علاقة به من موضوعات سيكون هو محل الاهتمام الوحيد.
ولأن السؤال تكرر قررت كتابة تدوينة خاصة “أشرح” فيها أسبابي للكتابة بالعربية الفصيحة، ولماذا أرى -من وجهة نظري- أن كل المدونات العربية يجب أن تكتب بها في الواقع!
أولاً: لأنني مسلمة، ولأن اللغة العربية الفصحى هي لغة القرآن، كتاب المسلمين المقدس.
ولهذا السبب بالتحديد لم أكن أتوقع أن يتساءل أحد عن تمسكي بالفصحى في كتاباتي، فكما يقال: “الجواب يبين من عنوانه”، ومدونتي عنوانها أو اسمها “مسلمة جوة وبرة” فظننت أن الأمر بديهي ومنطقي، وشارح نفسه إن صح التعبير.
أهمية تعلم المسلمين للحد الأدنى من اللغة العربية الفصيحة الصحيحة أمر لا خلاف عليه فبدونها لن تستقيم العبادات وأهمها الصلاة التي نقرأ فيها يوميًا آيات محكمات، فصيحة، بليغة الصياغة والتكوين.
نسب لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله:
تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهَا تُنْبِتُ الْعَقْلَ وَتَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ”
كما قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله:
“اعلم أنّ اعتياد اللغة يؤثر في العقلِ والخلقِ والدينِ تأثيراً قويّاً بيّناً ، ويؤثر أيضاً في مشابهةِ صدرِ هذه الأمّةِ من الصحابةِ والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقلَ والدينَ والخلقَ، وأيضاً فإنّ نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرضٌ واجبٌ، فإنّ فهم الكتاب والسنّة فرضٌ، ولا يُفهم إلاّ بفهم اللغة العربية، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب”
ثانيًا: الحمد لله رب العالمين كنت محظوظة -خلال سنوات دراستي- بالتعلم على يد مدرسين لغة عربية ذوي كفاءة، كما حباني الله بحبٍ للغة العربية، فاستطعت تعلمها بشكل يمكنني من الكتابة بها بنسبة قليلة من الأخطاء خاصة الإملائية منها، وقد لا يخلو الأمر من بعض الأخطاء النحوية غير المقصودة من حين لآخر، لكنني عندما أنتبه إليها في التدوينات السابقة أصححها فورًا.
ثالثًا: وجود الانترنت، وسهولة البحث عن القواعد النحوية والهجاء الصحيح للكلمات، سَهَّل كثيرًا من الكتابة بالفصحى على عكس ما يظن البعض فيستسهلون الكتابة بالعامية، ويتساءلون كيف لي أن أجيدها!
في الواقع الفرصة متاحة أمام الجميع لإجادتها إن أراد، حتى لو لم يكن محظوظ بنظام تعليمي جيد خلال سنوات الدراسة.
رابعًا: قناعتي أن العامية لغة -إن صح تسميتها لغة!- لا تصلح للكتابة الاحترافية أبدًا ! ربما تناسب الحوارات المباشرة بين الناس، أو الدردشة على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن -في رأيي الشخصي- المدونات والمواقع ليست المكان المناسب لاستخدامها، حيث تقلل من قيمة الكلام المكتوب وتجعله يبدو كلام مرسل مرتجل غير جِدِّي أو موثوق.
خامسًا: حبي للقراءة ولله الحمد ساعدني كثيرًا، فمن يقرأ كثيرًا مع الوقت -شاء أم أبى- سيجد في نفسه بعض المهارة في الكتابة وصياغة المعاني، فكما يقال “كل إناء ينضح بما فيه”، ومن امتلأ عقله بالقراءة لابد وأن ينعكس هذا على كتابته، طالما أنه يقرأ بعقلٍ واعٍ، مدرك، متعمق، لا يمر على السطور مرور الكرام. وأتحدث هنا عن القراءات القيمة الفصيحة، وليس قراءات الكتب السطحية ضعيفة اللغة والمعاني والأفكار.
سادسًا: أنا كقارئة أتحسس كثيرًا من قراءة المقالات العامية. فبمجرد قراءة سطر من مقالة ومعرفة أنها بالعامية أتجاهلها فورًا ولا أكملها، ليس في استطاعتي قراءة عدة سطور من اللغة المشوهة المليئة بالأخطاء والتحريفات الإملائية التي تجعل بدني يتقلص من الاستياء.
وإعمالاً للحديث الشريف: “لا يؤمنُ عبدٌ حتى يُحبَّ لأخيه المسلمِ ما يحبُّ لنفسِه” ، فأنا لا أرضى أن أقدم لقرائي ما لا أرضاه لنفسي. لهذا تجدوني أُعرِض عن العامية وأُقبِل على الفصحى بصدر رحب.
سابعًا: زيادة المحتوى العربي على الانترنت هدف يهمني أن يتحقق، ويهمني أكثر أن يتحقق بصورة صحيحة وفعالة، فالعاميات المختلفة لكل بلد أو قبيلة لن تحقق هذا الغرض بالشكل الأمثل، فالمفترض في اللغة الواحدة أن تكون وسيلة تواصل عالمية بين ناطقيها ولا تحدها حدود مرسومة على خرائط، فمن يعرف العربية ويقرأها أيًا كانت بلد القاريء وأيًا كانت بلد الكاتب المفترض أن يفهم المكتوب دون مشاكل، بينما باللجوء للعاميات المُخَلَّطة بكلمات أعجمية مُحَرَّفة، وكلمات مخترعة من شباب يبحث عن الاختلاف وغيره… بالتأكيد لن تحقق ذلك، وستقف عائق بين الكاتب المتساهل بلغته والقاريء الذي لا يدري عن عامية هذا الأول شيئًا.
ثامنًا: وهذه النقطة من النقاط التي قد تهم أصحاب المواقع والمدونات العربية، خاصة إن كانوا راغبين في توسعة انتشار موقعهم أو مدونتهم. وما أعنيه بالانتشار هنا هو عبر الترجمة الآلية مثل ترجمة جوجل، التي قد يلجأ لها غير الناطقين بالعربية إذا استطاعوا الوصول لموقعك بأي شكل من الأشكال ورغبوا في فهم المكتوب -وهي نسبة وإن قلت لا أنصح بتجاهلها- ففي حالة كتابتك للعامية سيكون ترجمة المحتوى الذي تقدمه بشكل صحيح أو شبه صحيح مستحيلة تقريبًا وستخسر هذه الفئة من القراء، في حين أن الكتابة بالفصحى يضمن لك على الأقل وصول المغزى العام من المقالة بصورة صحيحة فيفهمها من يلجأ للترجمة الآلية.
كانت هذه من أهم أسباب حرصي على الكتابة باللغة العربية في مدونتي وفي حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، أتمنى أن أكون وفقت في عرضها، وأن أكون شجعتكم على اتخاذ اللغة العربية وسيلة للتواصل عبر هذا العالم الافتراضي على الانترنت
AUTHORلؤلؤة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أختي الرائعة مسلمة ، أتفق معك تماما في كل ما ذكرت ، عن نفسي لم أستغرب أبدا تدوينك بالفصحى، بل زادني هذا ثقة في محتوى مدونتك الثرية (ماشاء الله لاقوة إلا بالله) …أنا أيضا أدون باللغة العربية الفصحى ، وجربت كتابة تدوينة واحدة بلهجتي الليبية ، لغاية في نفس يعقوب ، ولكنني لم أكن راضية عنها …
استمري عزيزتي أسبابك كلها منطقية ، ومقنعة ، والتدوين الإحترافي الذي يحترم جميع القراء يجب أن يكون هكذا ، مع احترامي لكل من يدون بلهجته ، ولكن التدوين بالفصحى يحمل رسائل عدة ، منها الحرص على الهوية وفيه رسالة ضمنية مفادها (أهلا بالجميع ) ..تقبلي مروري وعذرا للإطالة ♡
AUTHORمسلمة جوة وبرة
شكرًا لكلماتك وتأييدك
سعيدة بتواجدك ومشاركاتك
الله يسعدك ويوفقك ♥
AUTHORام فرح
رائعة ومؤيدة لك في الإلتزام بالفصحى فهي لغة القرآن
وانا كمتصفحة للإنترنت أعاني من اللهجات العامية وعدم فهمها مما يجعلني أعرض عن هذة المواقع العامية
أما الفصحى فهي مفهومة لكل عربي مهما كانت جنسيته
فشكرا لك من الأعماق على التمسك بلغة القرآن
AUTHORمسلمة جوة وبرة
العفو
الله يهدينا جميعًا لما يحب ويرضى